اللوجستيات في الصين: كيف تُسلّم 100 مليون طرد يوميًا؟

عندما نتحدث عن “ثورة في سلاسل الإمداد”، فإن الصين لا تُذكر كبلد صناعي فقط، بل أيضًا كأكبر منظومة لوجستية مدنية على وجه الأرض. ما يحدث في الصين اليوم يُعد معجزة تشغيلية: أكثر من 100 مليون طرد يتم تسليمها يوميًا، بسرعة ودقة، وبتكلفة منخفضة بشكل مذهل. فما السر؟ وكيف نجحت الصين في بناء هذا النظام المعقد والمتكامل؟ هذا ما سنكتشفه.

١. من الطلب إلى التوصيل في أقل من 24 ساعة

في مدن مثل شنجن، قوانزو، وهانغزو، أصبحت دورة الحياة الكاملة للطلب – من النقر على زر “شراء” إلى التسليم – لا تتجاوز 12 إلى 24 ساعة.

الفضل يعود إلى:
– كثافة عدد المراكز اللوجستية المنتشرة داخل المدن.
– البنية الرقمية المتقدمة التي تربط منصات التجارة بالتخزين والشحن.
– منظومات تحليل بيانات ضخمة تُتوقع بها مناطق الطلبات مسبقًا.

٢. Cainiao: الذراع اللوجستي لمجموعة علي بابا

تُعد Cainiao حجر الزاوية في لوجستيات الصين. تأسست عام 2013، وتدير اليوم شبكة ضخمة من البيانات والمستودعات الذكية.

أبرز إمكانياتها:
– أكثر من 300 مركز فرز وتوزيع.
– تغطية أكثر من 220 دولة حول العالم.
– تسليم داخلي في الصين خلال يوم، ودوليًا خلال 3–7 أيام.

٣. JD Logistics: سرعة تقارب المستحيل

شركة JD.com طورت لوجستياتها الداخلية وأطلقت JD Logistics، والتي تُعرف بسرعة تنفيذها المذهلة.

أبرز ميزاتها:
– مراكز مؤتمتة بالكامل (روبوتات تقوم بكل شيء من التخزين إلى التحميل).
– شاحنات ذكية وطائرات بدون طيار في المناطق الريفية.
– توصيل في نفس اليوم في أكثر من 90% من المدن الصينية الكبرى.

٤. ماذا عن التكلفة؟ الأرخص عالميًا

توصيل طرد داخل الصين يكلف ما بين 5–8 يوان صيني (أي أقل من 5 ريال سعودي)، وهو رقم لا يمكن تحقيقه في كثير من دول العالم، بسبب:
– الكثافة السكانية العالية التي تقلل المسافات.
– الاستفادة من اقتصاديات الحجم الكبير.
– الدعم الحكومي في البنية التحتية.

٥. الابتكار في الميل الأخير (Last Mile)

– مراكز تسليم ذكية بدون موظفين: يُدخل العميل رقم الشحنة ويستلم طرده آليًا.
– الروبوتات الأرضية: تتحرك على الأرصفة لتسليم الطرود في الجامعات والمجمعات السكنية.
– الدرونز: تُستخدم بالفعل في المناطق الجبلية أو الوعرة.

٦. الدروس المستفادة للعالم العربي

– اللوجستيات ليست فقط نقل… بل بيانات وتحليل وذكاء اصطناعي.
– كل دقيقة تُوفّر في الميل الأخير = أرباح مضاعفة.
– تبني التوزيع اللامركزي يُخفض التكاليف ويزيد الكفاءة.
– الاستثمار في التكنولوجيا = تسليم أسرع وتجربة عميل أفضل.

خاتمة

ما يحدث في الصين هو نتيجة دمج البنية التحتية، البيانات الضخمة، الأتمتة، والتحليل التنبؤي في نظام متكامل يخدم التجارة الإلكترونية. في ظل المنافسة العالمية، أصبح لزامًا على كل من يرغب في بناء شبكة لوجستية ناجحة أن يتعلم من هذا النموذج… أو سيبقى في مؤخرة السباق.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *